على الجزيرة الوثائقية "الزين اللي فيك" .. موجة انتقادات





تتسم أعمال المخرج المغربي نبيل عيوش، من خلال تجربته السينمائية، بالجرأة، واستلهام روحها، من واقع المجتمع، والمعيش اليومي، ما يجعل أفلامه في كثير من الأحيان، قريبة جدا من المواطنين والجمهور، وتفتح شهية متابعة مهمة من قبل عشاق السينما.


وقد بدأت تجربة عيوش السينمائية على مستوى الإخراج بفيلم: (الأحجار الزرقاء بالصحراء)، عام 1990، مرورا، بأفلام (بائعو الصمت)، و(مكتوب) و(علي زاوا)، الذي يعالج ظاهرة أطفال الشوارع المشردين في ضواحي مدينة الدار البيضاء، و(كل ما تريده لولا)، فضلا عن (يا خيل الله) الذي يعالج موضوع الاعتداءات الإرهابية التي ضربت مدينة الدار البيضاء عام 2003، وهو فيلم مقتبس عن رواية "نجوم سيدي مومن" للكاتب ماحي بينبين، وصولا لفيلمه الجديد (الزين اللي فيك) والذي خلق ضجة كبرى، لتناوله موضوع الدعارة والمثلية، وقضية بائعات الهوى بإحدى المدن المغربية.

موجة انتقادات لاذعة

شكل فيلم (الزين اللي فيك)، والذي عُرض خلال فقرة أسبوع المخرجين في مهرجان كان السينمائي خلال دورته الـ 68، والتي أقيمت من 13 إلى 24 من شهر مايو الجاري، نقطة فاصلة في مسيرة هذا المخرج المغربي، الذي ركب موجة معالجة موضوع حساس للغاية، حيث تم تسريب مقتطفات من هذا الفيلم، خلقت موجة من الانتقادات اللاذعة، وأحدثت شرخا كبيرا بين مؤيد ومعارض، بين المحافظين والإسلاميين، وبين الحداثيين، وكذلك بين العديد من النقاد والسينمائيين والفنانين والمتتبعين.
نبيل عيوش الذي كان يتأهب لعرض فيلمه مباشرة بعد مشاركته في مهرجان كان الأخير، لعرضه في القاعات السينمائية المغربية، يتعرض الآن لانتقادات واسعة، ما يجعل الفيلم محط تشكيك ومنع من قبل الجهات الوصية على السينما المغربية، حيث اللقطات المسربة، تفصح بلغة سينمائية فادحة وماجنة عن واقع معيش لبائعات هوى محترفات، لهن عالمهن الخاص، ولغتهن الخاصة، فضلا عن طرقهن الخاصة للإيقاع بالزبائن في شباك الهوى، ليس بحثا عن المتعة، بل عن مقابل مادي جيد، وتحسين أوضاعهن المالية والاجتماعية.


في إحدى لقطات الفيلم يكشف عيوش النقاب عن وجه مدينة سياحية، تخفي بين ثنايا مفاتنها، دروبا مظلمة، لنساء عاهرات محترفات، مضيئات، كالنجوم، يجتمعن ضمن شبكة، من أجل ممارسة حرفتهن، وبلوغ أهدافهن، حيث لكل واحدة طريقتها الخاصة في البحث عن زبون، لكن المرمى واحد، ألا وهو، جمع قدر كاف من المال، وهذا هو بيت القصيد.

لغة قاسية وصادمة



في إحدى لقطات الفيلم، تبدو السيدات وهن يركبن سيارة يقودها الممثل المغربي عبد الله ديدان، واحدة تشرب من قنينة بلاستيكية ماء يخيل أنه مخدر حتى لا ينكشف أمرها، أخرى تتزين وهي تتحدث إلى رفيقاتها بلغة قاسية وفاضحة وصادمة،  تنهل من قاموس داعر، تدعو الفتيات القاصدات إحدى الحانات أو الكاباريهات، من أجل إبراز مفاتنهن، وتدعو، كي يُسخَّر لها في زبون مليح، وسخي يغرقها بالمال، وذلك هو الهدف والرهان الأكبر.


في جانب آخر من تلك اللقطات المسربة، ركّز نبيل عيوش على موضوع آخر لا يقل أهمية عن موضوع دعارة النساء، ألا وهو قضية المثليين، الذين ينافسون النساء في هذا المجال، حيث يدور حديث بين الأطراف، على طاولة عشاء، لحظة يأتي طفل بريء، إلى المكان، تبادره واحدة بسؤال "كم يعطيك"، يرد بعد إلحاح... "فلوس وثياب"، واحدة تعنفه لفظيا، وأخرى تحن إليه، وتدعوه إلى الأكل.... تنتهي اللقطة،... إنها من أكثر المشاهد تأثيرا، حيث يشير الفيلم إلى قضية أخرى، تخص الاستغلال الجنسي للأطفال.

عدم السماح بالترخيص بعرض الفيلم

أمام هذا المعطى الصادم، تعالت الأصوات بين مؤيد ومعارض لهذا الفيلم، في النوادي، ومواقع التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام، الذي يتحدث في جزء منه عن جانب مظلم تعيشه الكثير من النساء في تلك المدينة، ما حدا بوزارة الاتصال الجهة الوصية على القطاع السينمائي بالمغرب، لإصدار بلاغ رسمي، تؤكد فيه أنه بعد مشاهدة فريق من المركز السينمائي المغربي عرض فيلم تحت عنوان "الزين اللي فيك" في أحد المهرجانات الدولية، فإن السلطات المغربية المختصة قررت عدم السماح بالترخيص لعرض هذا الفيلم بالقاعات السينمائية المغربية".
وعزا بلاغ وزارة الاتصال ذلك إلى ما تضمنه الفيلم من إساءة أخلاقية للقيم وللمرأة المغربية، ومس صريح بصورة المغرب، حيث أكد وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى الخلفي على صعيد متصل، أن قرار عدم الترخيص للفيلم هو قرار سيادي يدخل ضمن سياق الحفاظ على صورة المغرب.
وفي بلاغ آخر رحبت وزارة الاتصال بالنقاش الجاد والمسؤول على شبكات التواصل الاجتماعي، والذي أبرز تأييدا واسعا لقرار السلطات المغربية.


فيلم بمسحة وثائقية

نبيل عيوش بالمناسبة اعتبر أن الفيلم، الذي يحمل مسحة وثائقية، من أجل تقريبه إلى الجمهور، رغم جرأته في الطرح وعدم قدرته على التعبير عن الموضوع بلغة سينمائية موحية وإبداعية، جاء بناء على حاجة ماسة لطرح القضية رغم صعوبتها، وذلك بعد لقائه وجلوسه، وقضائه لوقت طويل مع المعنيات بالأمر، واللاتي يعشن ظروفا قاسية جراء الانغماس في عالم أقدم حرفة في التاريخ، فضلا عن انجذابه إلى عالم المهمشين والمستضعفين حيث عالج نفس تيمة المهمشين في أفلامه.


دور السينما الإبداعي والجمالي

المخرج "نبيل عيوش"


وأمام هذه الحملة الشرسة على الفيلم، ومن أجل احتواء هذا الموقف المخجل، شدد عيوش على ضرورة عدم التسرع في إطلاق الأحكام الجاهزة، على هذا الفيلم، الذي، أكد أنه لا يحتوي على مشاهد ماجنة، بل على لقطات فيها كثير من الصدق، وتعري واقعا تعيشه الكثير من فئات المجتمع، معربا عن ارتياحه الكبير لهذا النقاش والجدل الذي أثاره الفيلم، لطرح الإشكالية، والبحث لها عن حلول.


من جهتها أكدت الممثلة لبنى أبيضار، التي تعرف جيدا الأزقة العتيقة لمدينة مراكش، وتدرك ما يجري في كواليسها، أنها لا تحس بوخز الضمير، وبأي ندم، وهي تقوم بدورها في الفيلم الجريء، رغم إدراكها جيدا، أنها ستكون محط انتقاد من قبل الجمهور، ومن قبل من لا تعجبه مثل هذه الأفلام.

بالمناسبة أكد الناقد عبد القادر مكيات في تصريح خاص، بناء على ما تسرب من مشاهد ولقطات، أن السينما في مجملها شكل فني وإبداعي وإيحائي رامز، يقوم على التخييل، وفيلم (الزين اللي فيك)، عمل سينمائي، استلهم مقوماته من صور الواقع وترجمتها إلى مشاهد حقيقية من غير مساحيق، حيث أن المخرج حاول تقديم الواقع كما هو من غير أن تكون له مسحة شاعرية، وهو الأمر الذي أوقع الشريط في نوع من الصدامية القوية مع نوع من المتلقي الذكي، الذي يدافع عن صون كرامته وهويته، وذاكرته الثقافية والمجتمعية وعاداته وتقاليده، دون المس بها، رغم ما هو سائد في المجتمع وباقي المجتمعات العربية والغربية من انتشار لظواهر اجتماعية معروفة وتكون خادشة للحياء.
وأكد مكيات أن فيلم (الزين اللي فيك)، جزء من مشروع سينمائي يعمل عليه نبيل عيوش، حيث يتخذ من الهامش بكل ما له وعليه، مادة سينمائية دون التفكير في ما قد يمس قيم ومبادئ وأخلاق الآخر، وهذا هو بيت القصيد، الذي أثار سيلا من الانتقادات لنبيل عويش، الذي وقع على تجربة سينمائية قوية، كان من الأفضل التفكير مسبقا في تداعياتها الاجتماعية والسياسية والفنية والأخلاقية.

شاركها !


جميع الحقوق محفوظة